رمسيس الثاني ليس فرعون الخروج، وإخناتون ليس النبي موسى، ويويا ليس النبي يوسف.. ولكن الفراعنة كانوا أمّة مؤمنة. حسب مؤرخين جادّين..
لم يكن نبي الله موسى أول من دعا للتوحيد في مصر، فقد كانت عقيدة التوحيد راسخة في مصر قبل قرون عديدة من بعثة نبي الله إبراهيم، فضلاً عن نبي الله موسى، وحسب «عباس محمود العقاد».. فقد قرأ سيدنا إبراهيم صحف النبي إدريس، وأطلع على التوحيد المصري وعبادة المصريين لله الخالق الواحد، وكانت ذلك قبل نبوته بعدة عقود.
وقبل أربعة آلاف عام أضاء مصر الحكيم لقمان الذي كان من أبناء الصعيد، وعاش في عهد الأسرة الحادية والعشرين الفرعونية. ثمّة توافق على أن نبي الله إدريس كان من أنبياء المصريين القدماء، وثمّة اختلاف حول ما إذا كان هو نفسه أوزوريس، حيث ينفي علماء التاريخ ذلك الطّرح.
كانت الحضارة الفرعونية المصرية عظيمة إلى الحدّ الذي جعلها موضع حقدٍ وحسدٍ لدى الكثيرين، من مزاعم أفريقية بكونها حضارة سوداء، ومزاعم غربية باعتبارها تمّت بأيدي الآخرين، إلى مزاعم علمية زائفة بأنها بُنيت بأيدي كائنات فضائية، ومزاعم دينية بأنها كانت حضارة وثنية عاشت خارج دائرة الإيمان.
في رسالة للدكتوراه بجامعة القاهرة.. بعنوان «الأخرويات بين الحضارة المصرية القديمة والفكر الإسلامي» يذهب الباحث أسامة زايد إلى أن التحريف في العقيدة – في بعض الأحيان – كان بسبب عبث الكهنة وخلط الدين بالسياسة.
ولكن الإيمان كان هو الأساس، ولولا إيمان المصريين بالآخرة، لما وصَلَنا شيء من الآثار والأهرامات الضخمة، التي كان هدفها إيمانياً يقوم على عودة الروح بعد الموت.
ولقد ظهرتْ العديد من الكتابات التوحيدية الخالصة في العصر الحجري الحديث، وتمتلئ الأدبيات المصرية القديمة بالحضّ على قيم الحق والعدل ومكارم الأخلاق.
في كتاب نديم السيّار «قدماء المصريين أول الموحدين» وفي كتاب العالم الفرنسي «روبير – جاك تيبو» بعنوان «معجم الأساطير والرموز المصرية»، وفي كتاب «فرانسوا دوما» بعنوان «آلهة مصر».
وفي كتاب رمضان عبده «حضارة مصر القديمة» – وغيرها كثير – تأصيل للعقيدة المصرية القديمة، من الإيمان بالله الواحد، الذي لم يخلقه أحد ولكنه خلق الإنسان والكائنات جميعاً، وهو أزلي أبدي، يرزق الناس لكى يعطوا الآخرين، ويحاسب في الآخرة من فعل خيراً أو شراً.
ويُعد كتاب «الموتى» الشهير باسم «الخروج إلى النهار» أو «إنجيل المصريين» أقدم كتاب في العالم تحدث عن عقيدة التوحيد والبعث والخلود.حسب موقع (بي بي سي)، فقد جاء في تراتيل إخناتون «أيها الإله الذي لا شبيه له، خلقتَ الدنيا كما شئتَ، عندما كنتَ وحدك».
وفي تعاليم بتاح حتب «ليست إرادة هى التي تتحقق بل إرادة الإله».. ويقول جاك تيبو: «قطعاً.. لم يتجه ملوك مصر وشعبها بعبادتهم نحو مجموعة من الآلهة الوثنية، بل عبدوا إلهاً واحداً، خالق الأرض، شكّل خلقه من طين صلصال ومياه النيل، ثم نفث فيه من روحه».
لقد كانت هناك مراحل في ذلك التاريخ الطويل بعيدة عن الإيمان، وقد كان فرعون موسى نموذجاً لذلك، لكنها ليست الخط الرئيسي للتاريخ، بل كان الخط الرئيسي: فراعنة مؤمنون.