جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » د.عادل القليعى يسطر:نقاش فلسفي عن الاختبار التى ناءت منه الجبال في أجواء النصف من شعبان

د.عادل القليعى يسطر:نقاش فلسفي عن الاختبار التى ناءت منه الجبال في أجواء النصف من شعبان

الإنسان معادلة صعبة في الترسيمة الكونية..لماذا.؟!

فإنه من مقاصد الشريعة، الضوابط الأخلاقية التي تسمو بالإنسان وترتفع به مكانا عاليا، فتكون منزلته أسمي عند الله من الملائكة، لأن الملائكة خلق نوراني خلقهم الله تعالى لعبادته.

(وتري الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم)، ليس لهم مهمة سوى هذه المهمة الإصطفائية، وعلى الرغم من ذلك إقرارهم بتقصيرهم في هذه المهمة، سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك.

أما أنت أيها الإنسان فقد شرفك الله تعالى بتشريفات كثيرة، أهمها عبوديته تعالى، وشرفك بحمل الأمانة التى ناءت من حملها الجبال، فهذا تشريف وتكليف، فهل ستؤدي الأمانة حق أداءها؟!.

هذا هو الاختبار الحقيقي هل سننجح فيه، هل سنحقق المعادلة الصعبة، كيف نتواءم مع عالمنا المادي بكل مغرياته ومفاتنه ومفاسده، وعالمنا الحقيقي الذي نصبو إليه، كيف وسط هذه الزخم من كل هذه المتغيرات وهذه المتناقضات، كيف ننطلق منه إلى عالم رحب، عالم الطهر والنقاء والصفاء، عالم مفارق تختفي فيه كل هذه الأمور.

ضرورة منطقية، فالتلميذ حتى ينجح في الاختبار لابد من عوامل مساعدة تساعده على النجاح ليس التلميذ فقط وإنما الجميع لابد من توافر عوامل مساعدة يؤدون من خلالها مهامهم.

هكذا الإنسان في هذا العالم- قياس مع الفارق- يحتاج من يأخذ بيده إلي النجاة، كيف، الله تعالى الذي خلق وسوى وعدل وركب، عقلا هل يعقل أن يخلق ويتركنا تتقاذفنا الأهواء والميول والشهوات، لا وألف لا، بل يضع لنا ضوابط ومعايير قيمية وأخلاقية نسير عليها حتى تستقيم حياتنا وتصلح آخرتنا ومن هذه الضوابط، العقل وما وعى، هبة ربانية لنميز به بين الغث والثمين، الفضيل والرذيل، الحسن والقبيح، ثم إرادة واعية مستنيرة نختار من خلالها في أي الطرق والاتجاهات نسير.

والبطن وما حوى، وهنا بيت الداء وموضع وعمل الدواء، الذي يتمثل في ضوابط أخلاقية، كلوا واشربوا ولا تسرفوا، الاعتدال فضيلة، والإسراف رذيلة.

فالله تعالى لم يحرم علينا الطعام والشراب، ولم يحرم علينا شهوتهما ولا شهوة الزواج ولا شهوة اللباس، حتى كل الشهوات المادية، وإنما ما كرهه وحط من شأنه هو الإسراف في إتيان كل هذه الأمور، لحفظ حياتنا، فما دخل الإعتدال في شيئ إلا زانه وما خلا من شيئ إلا شانه.

فالإنسان لا يسرف ولا يقتر، فالله تعالى يقول (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، إذن ليس ثمة حرمانية ولكن المغالاة والإسراف هو الممقوت، يقول النبي صل الله عليه وسلم (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)، وقوله (ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه)، وقوله المعدة بيت الداء.

نعم هذا منهج تربوي قيمي أخلاقي نربي عليه أبناءنا، الاقتصاد والاعتدال في كل شيئ في الطعام حتي لا نصاب بالتخمة والمرض العضوي والمرض النفسى أيضا بانشغال النفس في هل سنستطيع توفير الطعام أم لا، هل سنجد ما نأكله هل ستكون معنا نقود لتوفير احتياجاتنا، كل هذه الأمور قد تصيب الإنسان بالضيق والمرض النفسي.

 كيف بمن يملأ بطنه هل يستطيع أن يفكر، هل يستطيع أن يستقيم عوده في أداء العبادات والطاعات، هل سيستطيع أن يؤدي عمله على الوجه الأمثل، الإجابة لا لن يستطيع لأنه إذا امتلأت البطون غابت وتاهت العقول وإن فكرت ستفكر في ما ستأكله وتشربه أيضا.

التوسط والإعتدال فضيلة وفضيلة رئيسة في بناء حياتنا الخلقية، بل هو منهج لابد أن يسير عليه الجميع فلا نشق على أنفسنا متكلفين لأن فلان أشتري كذا وكذا وكذا، وأن علان عنده هذا وهذا وهذا، فتثقل كاهلك بما لا تطيق في شراء مثلا لوازم رمضان والآن غلاء رهيب في الأسعار، فلماذا لا نكون معتدلين غير مسرفين في شراءنا فبدلا من الشراء بكميات كبيرة نقتصد ونقنن مشترياتنا، وحتى ليس هناك ضرورة ملحة للشراء، المهم تكن معتدلا.

نحن لا ندعو إلى الزهد والتقشف وحرمان النفس لأن هذا يتنافى مع وسطية الإسلام ، ولم يدعو إلى ذلك طبيب القلوب صلى الله عليه وسلم، لعلمه بشواغل النفس البشرية وشهواتها ولكن ما دعانا إليه هو ترشيد الإستهلاك وتقنين المسألة.

ومن ثم فعلينا أن ننتهج منهجه ونسلك مسلكه ونقتفى أثره قولا وفعلا، علما وعملا.

فبدلا من عشرين صنف على مائدة الإفطار وعشرين مشروب مختلف طعمه ولونه، وعشرين نوع من الحلوى، نكتفى بالقليل الذي يقوت جسدنا حتى نستطيع أن نقوم للصلاة ونصلى في جماعة بدلا من أن يصيبنا الوخم والنوم في مكاننا ونحن جلوس على هذه المائدة المستديرة، وحتى لا نصاب بالأمراض من سمنة وأوجاع في البطن وقولون عصبي وأمراض معدة وزيادة الدهون في الدم ودهون ثلاثية، وأمراض دم وغيرها، كل ذلك نحن في غنى عنه فالمعدة هى بيت الداء.

الرأى عندي إذا أردنا أن تستقيم حياتنا فعلينا بالتوسط والاعتدال لأن من خلال وسطيتنا نوفق بين الجانبين المادي والروحي.

الجانب الذي يقوم حياتنا الفسيولوجية والبيولوجية، والجانب الراقي في الإنسان الجانب المتعالي، الروح التى من خلالها نسمو ونرقى ونرتقي إلى عالم أفضل.

وأخيرا هل علمتم كيف نفك شفرة رموز هذه المعادلة.

*الكاتب أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *