جاءنا الآن
الرئيسية » جاءنا الآن » الفارق بين تعطيش آبي أحمد وحصار السيسي: خبراء يردون على تساؤلاتنا عن القمة المصرية الإريترية الصومالية

الفارق بين تعطيش آبي أحمد وحصار السيسي: خبراء يردون على تساؤلاتنا عن القمة المصرية الإريترية الصومالية

بينما تعانى أديس أبابا معضلتها الجيوسياسية كدولة حبيسة غير ساحلية تسعى أخيراً إلى الحصول على منفذ تجاري على البحر الأحمر وقاعدة عسكرية بحرية، من خلال تحالف آخر مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وهو ما عدته القاهرة مناكفة لمصالحها في الصومال وتصعيداً للأزمة المائية الممتدة لأعوام بين مصر وإثيوبيا والسودان، نتيجة عدم الاتفاق حول آلية ملء وتشغيل سد النهضة الذي بنته أديس أبابا على النيل الأزرق الرافد الأساس لمياه نهر النيل.

ولجأت مصر خلال الأعوام الأخيرة إلى تدشين شراكات استراتيجية تصل إلى حد التحالفات القائمة على ركائز اقتصادية وعسكرية وأمنية، في صيغة محاور ثلاثية تنطلق من اعتبارات الأمن القومي والإقليمي، كما جرى من خلال صيغة التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص في مواجهة تركيا داخل منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز، لتسعى مجدداً إلى تكرار النهج نفسه على مستوى المشرق العربي من خلال ما أطلق عليه مشروع الشام الجديد من خلال التعاون بين الأردن والعراق، وهو ما نظر إليه كتحالف أمني اقتصادي يعيد العراق إلى المحيط العربي بعيداً من النفوذ الإيراني، لكن هذا المحور لا يزال يواجه تحديات عديدة من أجل الوصول إلى أهدافه المعلنة.

وعلى المنوال ذاته، يواجه المحور المصري في القرن الأفريقي تحدياً جوهرياً وسط اعتراضات إثيوبيا على الاتفاقية الدفاعية مع الصومال والتعاون المتنامي مع دول عدتها أديس أبابا حديقتها الخلفية، فضلاً عن تزاحم القوى العظمى وقواعدها العسكرية في المنطقة.

ويرى مراقبون أن طبيعة التحالفات المتقلبة في المنطقة “لا تتيح استقراراً وثباتاً في المصالح الأمنية والجيوسياسية في القرن الأفريقي” كما هو الحال مع تقلب إثيوبيا وإريتريا بين التعاون والصدام خلال الأعوام الأخيرة، فضلاً عن تعرض دول المنطقة إلى تدخلات خارجية عميقة واضطرابات اجتماعية وزلازل سياسية بين الحين والآخر، تصل إلى حد الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والمجاعات وموجات النشاط الإرهابي.

ويعتقد بعض المراقبين أن ممارسة الحد الأقصى من الضغوط على إثيوبيا “ربما يأتي بنتائج عكسية في الملف المائي”، ويدفعها إلى مزيد من التشدد والتعنت عوضاً عن تليين موقفها إزاء أزمة السد التي تمثل خطراً وجودياً على المجتمع المصري وحصته المائية، وربما تزيد هذه تحركات إثيوبيا نحو تعميق تحالفات ومحاور مضادة مع دول أخرى شاطئية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي بينها جيبوتي وكينيا.

وعقب قمة “أسمرا” الثلاثية التي شهدت مشاورات مكثفة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود بدعوة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي أكد رؤساء الدول الثلاث في بيان مشترك، الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة والتصدي للتدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت أية ذريعة أو مبرر، وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمي وخلق مناخ موات للتنمية المشتركة والمستدامة، وتطوير التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بكل صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية وصيانة وحدة أراضيه.

المحور المصري في القرن الأفريقي

وترى الباحثة في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية المتخصصة في الشأن الأفريقي شيماء البكش أن “تفكيك التحالفات التي دشنها صعود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السلطة “تمثل غاية محورية للتحرك المصري في القرن الأفريقي”.

وأشارت إلى أن “زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للعاصمة الإريترية أسمرا أول من أمس الخميس بمشاركة نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، تأتي في سياق إعادة صياغة التحالفات الإقليمية التي شهدت تبدلات ملحوظة أعقبت ما كشفت عنه إثيوبيا من طموحات في الهيمنة الإقليمية وإعادة فرض أنماط من التفاعلات الإقليمية، تعكس رؤيتها ومصالحها الأحادية في الإقليم”.

وتعد البكش أن “مواجهة مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال من خلال تحركات المحور المصري لتأكيد سيادة مقديشو “ليست سوى رأس جبل الجليد في نفوذ إثيوبيا المترسخ بالمنطقة والحضور المصري المضاد”.

وأوضحت أن “مذكرة التفاهم الإثيوبية مع إقليم أرض الصومال، الذي أعلن الانفصال عن الصومال بصورة أحادية قبل ثلاثة عقود “تعد نقطة التحول في إعادة صياغة التحالفات التي جرى تشكيلها خلال عام 2018، حينما صعد رئيس الوزراء الإثيوبي إلى السلطة واستهدف إعادة صياغة تحالفات القرن الأفريقي”.

وأسهمت سياسة تصفير المشكلات التي انتهجتها إثيوبيا وترجمتها في ذلك العام باتفاق السلام مع إريتريا الذي أنهى عقوداً من الصراع وحصول آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام، في خلق مناخ موات لتشكيل تحالف ثلاثي ضم إثيوبيا وإريتريا والصومال، وتهدئة الخلافات بين إريتريا وجيبوتي، مما أسهم نهاية المطاف في إطلاق مبادرة القرن الأفريقي عام 2019.

ويعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية محمد عبدالكريم أنه “لا يمكن وصف التحرك المصري بـ(المحور)، لأنه عبارة عن اتفاق مشترك بين دول في إقليم واحد (حوض البحر الأحمر) يهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي والثلاثي في ما بينها، وحماية أمن البحر الأحمر وتعزيز سيادة الدول الثلاث وعدم تهديدها من قبل دول باتت ترى نفسها فوق القوانين الإقليمية والدولية، وتعمد إلى سياسات ابتزاز غير مسبوقة بين الدول الأفريقية بالسعي إلى الاستيلاء على شريط ساحلي من دولة ذات سيادة وبشروط سيادية غير مسبوقة، لغرض إقامة قاعدة عسكرية بحرية ومرافق بحرية تمولها على الغالب دولة أخرى”.

وتابع عبدالكريم “من هنا فإن هذا التحرك منطقي وليس محوراً لمواجهة محور، بل هو مساع أفريقية إقليمية لتعزيز مبادئ التعاون الإقليمي الأفريقي وإنفاذ لعدد من أهم منطلقات العمل الأفريقي الجماعي منذ تكوين منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي”.

وأوضح، أنه “يمكن اعتبار أن أهم محددات السياسة المصرية في القرن الأفريقي السعي إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار، وخفض التوترات في جنوب البحر الأحمر وخطوط الملاحة التي تمتد على طول السواحل الصومالية، وصيانة استقرار وسيادة دول الإقليم لا سيما الصومال، ومنع مساعي أطراف إقليمية إلى انتهاك هذه السيادة ليس في الصومال فحسب، لكن في دول أخرى مثل إريتريا والسودان عبر التلاعب بالمصالح الاقتصادية المفترضة مع الأولى”.

وبحسب عبدالكريم “يأتي إعادة تنشيط القاهرة علاقاتها الاقتصادية والأمنية والدفاعية مع الصومال وإريتريا في صلب هذه المحددات، أملاً في استعادة الأولى دورها الذي تآكل خلال الأعوام الأخيرة بسبب سياسات دول إقليمية وقوى دولية اشتركت بصورة أو بأخرى في تحجيم أي حضور مصري بالقرن الأفريقي، بل والمبادرة بسياسة هجومية مباشرة موجهة ضد الأمن القومي المصري”.

السيسي في أسمرا لمواجهة المحور الإثيوبي

و”منذ بداية تحركها لمواجهة مذكرة التفاهم البحرية الإثيوبية مع أرض الصومال، حشدت مصر إريتريا إلى جانبها عبر موقف رافض للتحركات الإثيوبية. إذ رأت إريتريا في مذكرة التفاهم تهديداً لمصالحها المباشرة في البحر الأحمر وصرحت خارجيتها مستنكرة المساعي الإثيوبية للهيمنة، وعدت أنها غير بعيدة من مطامع إثيوبيا في الوصول إلى البحر بما دفعها لإعادة صياغة مواقفها الإقليمية، وبخاصة أن التوتر كان يحيط بالبلدين منذ اتفاق بريتوريا للسلام مع التيغراي دون انخراط إريتريا، التي كان رئيسها أسياس أفورقي شريكاً رئيساً لآبي أحمد في حربه على إقليم تيغراي”. بحسب البكش.

ووفق الباحثة فإن “زيارة أفورقي إلى مصر جاءت في الـ24 من فبراير (شباط) الماضي وواكبت تلك التطورات على نحو تم تقديره حينها بأنه إعادة الدفء للعلاقات المصرية-الإريترية، بعد الفتور الذي خيم عليها خلال الفترة الماضية، إذ اتفق الطرفان على أهمية التنسيق المشترك للمواقف والرؤى إزاء قضايا الإقليم بما في ذلك أمن البحر الأحمر، إذ يتشارك البلدان إلى جانب الصومال في عضوية مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، في وقت تسعى فيه إثيوبيا إلى زعزعة هذا الاستقرار الإقليمي وإعادة صياغة توازناته، في توقيت شديد الحساسية يعاني فيه البحر الأحمر من الاضطراب”.

وأضافت “هذا إلى جانب الملفات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مسألة أمن الصومال واستقراره، إلى جانب التوافق حول وقف إطلاق النار في السودان، لما لإريتريا من انخراط في الأزمة من الناحية الشرقية للسودان”.

مواقف مصر الحادة في مواجهة التحركات الإثيوبية الأحادية على مستوى البحر الأحمر ونهر النيل أعقبها زيارة رئيس الاستخبارات العامة المصرية اللواء عباس كامل ووزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى إريتريا خلال الـ14 من سبتمبر (أيلول) الماضي، بالتوازي مع بدء إرسال مصر الجنود والشحنات العسكرية إلى الصومال، وأخيراً زيارة الرئيس المصري إريتريا أول من أمس، وعقد قمة انضم إليها الرئيس الصومالي بالعاصمة الإريترية أسمرا”.

ويعتقد المتخصص في مجال العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة محمود زكريا أن “التنسيق المصري الأخير مع الصومال وإريتريا سيكون له تأثيرات ملموسة، في ما يخص إدارة الترتيبات والسياسات حيال الملفات ذات الاهتمام المشترك في إطار منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي، وعلى رأسها إدارة الصراع الداخلي في السودان، ودعم آليات التعاون والتنسيق في شأن تعزيز الأمن في إطار المدخل الجنوبي للبحر الأحمر”.

ويرى زكريا أن “زيارة الرئيس السيسي تأتي في إطار التحركات المصرية المتنامية خلال الآونة الأخيرة لبناء تحالفات وشراكات ذات مضامين متعددة في إطار منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي”، تزامناً مع تحركات إثيوبية أحادية الجانب في إطار عمليات الملء والتشغيل لسد النهضة، ولعل آخرها الملء الخامس الذي بدأ في يوليو (تموز) الماضي.

 يضاف إلى ذلك إعلان دخول اتفاقية عنتيبي الموقعة خلال مايو (أيار) 2010 حيز النفاذ وذلك بعد تصديق جنوب السودان عليها في يوليو الماضي، ومن المزمع أن يسفر ذلك عن إنشاء مفوضية حوض نهر النيل لتصبح كياناً مؤسسياً متعدد الأطراف، تغيب عنه الأطراف غير الموقعة على الاتفاق وعلى رأسها دولتا المصب (مصر والسودان).

وتتزامن التحركات المصرية مع تصاعد حال الغضب من قبل الصومال تجاه إثيوبيا، وبخاصة بعد أن عقدت الأخيرة اتفاقاً مع أرض الصومال مطلع العام الحالي قضى بحصول إثيوبيا على منفذ بحري عبر ميناء بربرة لمده 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بكون أرض الصومال دولة مستقلة وذات سيادة، وهو ما رفضته الصومال بصورة قاطعة.

وركزت زيارة السيسي إلى إريتريا على الملف الصومالي والأزمة في السودان، إضافة إلى قمة السيسي وأفورقي وشيخ محمود، وأصدرت مصر والصومال إعلاناً سياسياً عقب قمة ثنائية بين البلدين.

 تضمن الإعلان الترحيب بقرار مجلس الأمن رقم 2714 لعام 2023 برفع حظر تصدير السلاح إلى الصومال، ودعم جهود الجيش نحو تعزيز قدراته وامتلاكه سبل تطوير إمكاناته بهدف بسط سيطرة الدولة على كامل أراضيها، فضلاً على تأكيد دعم وحدته ورفض الإجراءات الأحادية التي تهدد وحدة وسيادة الصومال، في إشارة إلى مذكرة التفاهم الإثيوبية في شأن ميناء بربرة على البحر الأحمر، وتضمن الإعلان دعماً لنشر بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال، والترحيب بعرض مصر المشاركة بقوات في البعثة، ومساندة دعوة الصومال للشركاء الدوليين لتوفير التمويل الضروري لها.

وشهد العام الحالي اهتماماً مصرياً لافتاً بتعزيز العلاقات مع الصومال، توازى معه مزيد من التعنت الإثيوبي في ملف سد النهضة وكثافة في تحركاتها نحو البحر الأحمر الذي واجه أزمة غير مسبوقة بالنسبة إلى مصر، نتيجة تضرر عوائد قناة السويس وفقدان القاهرة مليارات الدولارات التي تمثل ركناً أساساً في دخلها القومي، فجاءت زيارة الرئيس شيخ محمود إلى مصر خلال يناير (كانون الثاني) الماضي لتأكيد التضامن والتعاون في مواجهة التحركات الإثيوبية، والتي أعقبها توقيع اتفاق للتعاون العسكري المشترك وإجراء وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي زيارة لكل من جيبوتي والصومال، تم خلالها تدشين خط طيران مصري مباشر بين الدولتين خلال الـ12 من يوليو الماضي.

وأوضحت الباحثة في الشأن الأفريقي شيماء البكش أن “الزيارة الثانية لشيخ محمود إلى القاهرة خلال أغسطس (آب) الماضي اتخذت خطوات أوسع نحو التعاون العسكري، فتم فيها تأكيد التعاون العسكري والثنائي بين البلدين، وفي ضوئها اتفق على مشاركة مصر في دعم أمن واستقرار الصومال من خلال المساهمة في البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي داخل الصومال، بعد انسحاب بعثة (أتميس)، في وقت أعربت خلاله الصومال عن رفض مشاركة إثيوبيا في البعثة الجديدة التي سيعاد تشكيلها، وعلى رغم مساهمة إثيوبيا وفق اتفاقات للتعاون العسكري مع الصومال بجنود للتعاون العسكري على المستوى الثنائي ومستوى بعثة السلام، فإن إثيوبيا تعمل على توظيف تلك الورقة لمساومة حكومة مقديشو”، وفق الباحثة.

وتعيد هذه القمة التي أكد فيها الرؤساء الثلاثة أهمية التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري إلى الأذهان تلك القمة الثلاثية بين آبي أحمد وأسياس أفورقي ومحمد عبدالله فرماجو على نحو يعكس إعادة صياغة وتبدل تحالفات المنطقة، لما استشعره رؤساء دولها من تنامي الأخطار التي تلوح في الأفق من الطموح الإثيوبي المتعاظم بالمنطقة.

هل تقترب مصر من برميل البارود؟

وفق بعض المراقبين فإن تحركات إثيوبيا المضادة لن تقتصر على ملف البحر الأحمر فحسب، بل ستشمل بالضرورة دول حوض النيل، للتأثير في النيل الأبيض الرافد الثاني لنهر النيل إضافة للنيل الأزرق الذي صار تحت هيمنة خزان سد النهضة الإثيوبي.

ويؤكد زكريا أن التحركات المصرية “قد تواجه احتمالية لجوء إثيوبيا لتبني تحركات مناوئة عبر تشكيل تحالفات مضادة مع بعض الأطراف في إطار منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي، التي تستهدف بالأساس تطويق تطور المصالح المشتركة مع كل من الصومال وإريتريا ومصر”.

ويصف مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية سابقاً السفير محمد حجازي زيارة السيسي ومشاركته في القمة الثلاثية مع رئيسي الصومال وإريتريا بأنها “واحدة من أهم زيارات السيسي الخارجية، التي تخاطب هموماً استراتيجية وقضايا وتحديات تنموية في واحدة من أكثر المناطق ارتباطاً بالأمن القومي المصري والعربي والأمن والاستقرار العالمي، إذ تشكل منطقة القرن الأفريقي إطلالة على خطوط الملاحة التجارية الدولية وحركة الأساطيل العسكرية ومرتبطة بأمن واستقرار الخليج والبحر الأحمر ارتباطاً بأمن الطاقة، وتشكل خطراً على أمن واستقرار الملاحة الدولية حالياً في البحر الأحمر”.

وتواجه التحركات المصرية تهديدات وتحديات غير عادية في منطقة ينظر إليها الاستراتيجيون في العالم على أنها برميل بارود، قابل للانفجار بصورة غير متوقعة.

ووفقاً للباحث في الشؤون الأفريقية رامي زهدي “تكتسب الزيارة أهمية في سياق مواجهة التحديات الأمنية، إذ تعاني دول القرن الأفريقي مجموعة من التحديات الأمنية منها النزاعات الداخلية والتطرف والقرصنة والجريمة المنظمة والعابرة للدول وأعمال الاتجار بالبشر، إذ تصاعدت حدة هذه القضايا خلال الأعوام الأخيرة، مما يظهر الحاجة الملحة لدور فعال من مصر في تعميق التعاون الإقليمي والدولي، ووجود مصري ميداني في صورة عتاد ومعدات وأفراد وخبرات بشرية وإمكانات ومعلومات أمنية تسهم في استقرار الأمور، ووقف أية تهديدات أياً كان نوعها أو توصيفها ضد دول هذه المنطقة وبعضها بعضاً”.

وعلى خلاف التحذيرات من العقبات التي تواجه سعى القاهرة إلى إعادة تأكيد حضورها في القرن الأفريقي، يعتقد البعض أن هذه هي لحظة مصر في هذا الإقليم نتيجة حال توجس سائدة من السياسات الإثيوبية.

وتذهب الباحثة شيماء البكش إلى أنه “مثلما واجه مشروع آبي أحمد الوطني تحديات داخلية هائلة، يبدو أن مشروع إعادة صياغة إقليم القرن الأفريقي يواجه التحديات ذاتها مع تنامي مشاعر التوجس لدى دول الجوار الإثيوبي، التي كشفت عنها مذكرة التفاهم مع أرض الصومال وأعقبها ردود فعل مناوئة للمشروع الإثيوبي، كشفت عنه وثيقة صادرة عن معهد الشؤون الخارجية التابع لوزارة الخارجية الإثيوبية خلال مارس (آذار) الماضي بعنوان (الاستراتيجية الرئيسة للمياهين)، والتي حددت حتمية وصول إثيوبيا إلى البحر نظراً إلى أهمية الموارد المائية لإثيوبيا وأهمية أن تشارك في الأمن الإقليمي للبحر الأحمر، مع عدم استبعاد الدخول في تصادمات حال واجهت المساعي الإثيوبية أية ممانعة من دول الإقليم”.

وتابعت البكش “مثلت تلك اللحظة بداية لإعادة تموضع مصري في المنطقة التي واجهت بعض الفتور مع دول الإقليم، سواء إريتريا التي شهدت فترة تقاربها مع إثيوبيا فتوراً في العلاقات مع مصر على رغم ما تتسم به من متانة تاريخية، وكذلك مع الصومال حيث كانت ولاية الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو تتسم بالتوتر مع مصر، إضافة إلى سياسة إثيوبيا المائية المعادية والتي لا تنفصل عن سياستها في منطقة البحر الأحمر.”

مناورة جيوسياسية محسوبة

محاولة إعادة التموضع المصري داخل القرن الأفريقي مرهونة بشروط عديدة من أجل النجاح في المهمة الشاقة، من ضمنها ما يرتبط بالتحديات التاريخية المعروفة في المنطقة، وما هو لصيق بمحدودية الموارد اللازمة لممارسة النفوذ والضغوط وتأكيد الحضور بوسائل القوى العسكرية الخشنة والقوة الناعمة على حد سواء، لكن هذا التحرك ينظر إليه في دوائر صنع القرار المصري على أنه تأكيد للتقارب القائم وتفعيل للتحالفات المترسخة بين مصر وبعض دول الساحل الغربي للبحر الأحمر، من خلال خطوات محسوبة وليس مناورات ظرفية.

ويرى زهدي أن إريتريا بالنسبة إلى مصر حليف استراتيجي رئيس في منطقة القرن الأفريقي وتتشارك الدولتان في نفس الرؤية لعدد كبير من الملفات الدولية والقارية، ولهما دور مؤثر في دعم الصومال، وفي الأزمة السودانية.

وتابع “إن مصر لم تكن بعيدة من منطقة القرن الأفريقي بل كانت دائماً هناك في محطات عديدة من الشدة والظروف الصعبة قبل الرخاء، فقد كان لمصر دورها التاريخي في دعم الأمن والسلم والاستقرار والتعاون الدولي البناء في منطقة القرن الأفريقي وحماية أمن وسلم البحر الأحمر وحماية مصالحها بهذه المنطقة، وصولاً إلى مساهمتها الموثقة والمعروفة في استقلال الصومال خلال ستينيات القرن الماضي. ويجمع إريتريا ومصر كونهما مشاطئتان على البحر الأحمر وضمن دول حوض النيل أن القاهرة كانت دائماً داعماً لأسمرا خلال خوضها حرب الاستقلال حتى إعلان استقلالها عام 1993”.

وعدَّ أن مصر تمتلك عدداً من الأدوات الفاعلة التي تمكنها من دعم علاقات أكثر تعاوناً وأكثر سلمية وفي إطار أمن وسلم منطقة القرن الأفريقي بعد أن سيطرت علي الإقليم العدائيات والصراعات الداخلية والبينية، وأنها “تؤمن بأن السلام دائماً ما يحتاج لإرادة وقوة في التحرك لأن السلام قد يُفرض كخيار وحيد إذا كانت بعض الدول لا تتفهم أنه الاختيار الأنسب لمصلحة الجميع، وأن احترام سيادة وأمن الدول وحقوق الجيران هو المدخل الوحيد لعلاقات إيجابية تعاونية بين الدول”.

عن الكاتب

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *